الجمعة، 17 نوفمبر 2017

استهلال لكتاب: مرايا و خواطر... قراءات صوفيّة فلسفيّة في لوحات الكاتب الفنّان التّشكيلي الخطوطي حسين أحمد سليم.
بقلم: فضيلة الشّيخ الدّكتور حسن محمود الشّلّ
زارني حسين أحمد سليم آل الحاجّ يونس في العشرين من شهر تمّوز لعام ألفين و سبعة عشر بعد اتّصال هاتفيّ يخبرني بأنّه سيزورني، و لقد شرّفني بزيارته، و سعدت بها...
لم أُقدّم حسين سليم بصفة المهندس، أو الكاتب، أو الفنّان التّشكيليّ، أو الرَّسَّام، أو المصمّم، لسببين، أوّلهما: أنّه أخ و صديق عتيق، و لكلمة"عتيق" معنيان أقصدهما، وهما: قديم،و نفيس، و ثاني الأسباب: هو أنّني لا أعلم بأيّ وجه سوف يأتيني هذه المرّة؛ فمذ عرفته من عشرين عاماً تقريباً، كان يأتيني في كلّ مرّة بوجه جديد مشرق، و كأنّه متعدّد الاتّجاهات و الانطلاقات؛ مرّة بصفته الكاتب، و مرّة الرّسّام... و هكذا، و أمّا اليوم فلا أُنكر أنّه فاجأني، و سرّني بوجه جديد هو وجه الخطّاط المبدع، الضّائع بين زخرفات الخطوط العربيّة، و منمنمات النّقوش البديعة، و تموّجات الكلمات الإلهيّة المقدّسة، و هندسة الحروف و الأشكال، و مكوّنات العالم الجماليّة.
في زيارته هذه كان يشبه ذاته في زياراته السّابقة بشيء واحد فقط، و هو أنّه كان يشتعل نشاطاً؛ يتكلّم، يتحرّك،ينفعل، يستعرض التّاريخ، و يروي التّجارب، و يذكر الأشخاص، و يتلو حواراتهم، و ينوّع الأحاديث، و لا يقرّ له قرار، و يلاحق الإنجاز وراء الإنجاز، و كأنّه في سباق مرير مميت مع الزّمن، و هذه الحماسة سبب آخر...
أطلعني في هذه الزِّيارة الأثيرة على كتاب الدّكتور الأديب جمال زعيتر "أضحى مبارك: مسيرة و مسار"، و هو قراءة نقديّة للوحته الّتي هي بالعنوان نفسه، و قد أهداني نُسخة مزيّنة بتوقيعه الغريب الخاصّ، و قد عرض عليّ فكرةَ أن أقرأ مجموعة من لوحاته قراءة وجدانيّة صوفيّة، أو بشكل تأمّلات و خواطر و إيحاءات. أعجبتني الفكرة، و جذبتني؛ فوافقت، و لم أتذكّر أنّني الآن مشغول بإعداد أُطروحة الدّكتوراه في اللّغة العربيّة و آدابها، و نسيت أنّني أعمل على مجموعة قصصيّة بعنوان:" قصص متوحّشة"، هذا إلى التزامي بتدريس اللّغة العربيّة، و المشاغل الدّعويّة، و حملي مشعل الدّفاع عن القرآن، و عن الكلمة.
نسيت لأنّني وجدتها فرصة لا تعوّض لأنْ أُبحر في خبايا الخطّ العربيّ الّذي أُحبُّ، خاصّة إذا كان الحرف أُقنوماً من أقانيم القداسة؛ فكيف إذا كان أيقونة إسلاميّة؟ و كيف إذا كانت الكلمة هي كلمة الكلمات، و هي سيّدة الكلمات؛ كلمة الوجود؛ كلمة الإيجاد و الإمداد، كلمة الفضل و النِّعم و الآلاء التي لا تعدُّ ولا تُحصى؛ أنشودة الذّاكرين، و ترانيم المحبّين، و تسبيح المسبّحين، و تهليل المهلّلين، و تكبير المكبّرين، و توحّد العارفين، و ضياع الرّاشدين، و تصوّف الزّاهدين، و عرفان العارفين، و مركز طواف الطَّائفين، و ملاذ التّائهين، و منارة استرشاد المسترشدين، و نهاية بحث الباحثين؛ أوّل الأوّل، و آخر الآخر، غياث المستضعفين، و رجاء الرّاجين، و منجد المستنجدين، و معطي السّائلين، و مجيب دعاء المضطرّين... (الله).
هي فرصةٌ أن أقف في محراب التّوحيد؛ فأرى الجمال، و عندها أتوحّد؛ فأصير الجمال.
في رحاب التّوحيد يذوب الوعد و الوعيد، و لا يبقى إلّا الحُبُّ.
"حُسين" يذوب في الحرف المنسجم المتمدّد في الأنحاء، و"حسن" يذوب في الكلمة الّتي تفيض معانيَ و تراتيل، و كلانا يذوب في حبِّ خالقه، و روعة اسمه، و تجلّي فيوضاته، و كلانا يعبّر بوسيلته، و تنسجم الوسيلتان، و تتكامل؛ فترى معي –أخي، أُختي- ما يراه كلانا، بل ربّما – و أظنّ- ترى ما لا نراه كلانا، خاصّة إذا نظرت من منظار فؤادك، و من شغف محبّتك، و من وسائل قربك و اقترابك.
ما بين "سبحان الله"، و "الحمد لله"،" ولا إله إلّا الله"، و ما بين الخطوط الهندسيّة، المنسجمة، المتّسقة، الصّاعدة، الهابطة، الرُّمحيّة، الورديّة، الأفقيّة، العموديّة، المتشعّبة في الأرجاء و النّواحي، كانت هذه القراءة لحظة صوفيّة، أغرقُ في تجلّيات الحرف، و أغوصُ في قداسة الكلمة و شرفها، و أُبحرُ في خلجان شواطئ الهندسة، والألوان،و الأفكار،والإيحاءات، و الإيماءات؛ فكانت هذه القراءة، و كان هذا الكتاب، أُقدّمه بكلّ محبّة، و مودّة، و تواضع؛ كتاب :"مرايا و خواطر: قراءة صُوفيَّة تأمّليّة في لوحاتِ الكاتب الفنّانِ التّشكيليِّ اللُّبنانيِّ حسين أحمد سليم آل الحاجّ يونس"، الّذي أقول له: " شكراً".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق