الاثنين، 16 أكتوبر 2017

مغارة الرّيحان
بقلم: حسين أحمد سليم
هناك، في ربوع الوطن لبنان، ناحية القمم الشّمّ في الجنوب المجاهد الصّامد، حامي البلاد، يُراقب  الحدود من حيث قمة الوفاء و الإخلاص و الوطنيّة تُحاكي مدى الفضاء و هي تدقّ أبواب السّماء... هناك، في تلك الأرض التي باركها الله بثلّة من الأنبياء، الذين أتوها هادين إلى الحقّ و الحقيقة و وحدانيّة الله في أديان السّماء، الدّاعية للأنسنة و الإيمان و الحياة و عمارة الأرض برضا و رحمة الله...
هناك، حيث عبق الآس، نبات الرّيحان الأخضر، يُحاكي الوعي الباطنيّ و العرفان الذّاتيّ في الإنسان، و يضوع في كلّ ناحية و مكان مدى تعاقب الزّمان، و حيث الحنبلاس أو الحنبليس الأبيض و الأسود و البيضاوي و الكرويّ، ثمرة الحبّ و العشق بين الأحباب و العشّاق في الله، تُعقلن القلب و تُقلبن العقل و يتعلّل في لوذعتها اللسان...
هناك، حيث جمال الطّبيعة تزيّنه أشجار الصّنوبر و نباتات الرّياحين التي تُكلّله، تستقبل الضّيوف بالشّذى العابق بالعطر المقدّس، الممتزج برائحة حبّ الوطن و التّراب المقدّس، الذي روته دماء الجهاد في سبيل الله زودًا عن كرامة الأرض و شرف الإنسان في لبنان...
هناك، حيث قمم جبل الرّيحان التي تمخّض بها رحم الأرض المباركة، ليولد جبلاً متعاليًا و مختالاً بمودّة و رحمة الله... تفوح من جنباته أطايب العبق الصنوبري و الرّياحيني، لتنتصب قممه مشرئبّة الهامات عنفوانًا للعلا، لم و لن و لا تركع أمام عواتي الزّمان في ذلك المكان...
هناك، تمتدّ صُعدًا تعرج في مسارها رأسيّا، تتضرّع لله في علاه و تبتهل و تُكبّر و تتشهّد، مؤمنة بما أنزل إليها من السّماء، و ما أوتي به الأنبياء و المرسلون، موسى و عيسى و محمّد، لا تفريق و لا تمييز بينهم...
هناك، في منحدرات جبل الرّيحان، تتهجّد النّباتات و الأشجار من كلّ نوع، و البيوت تغرق في خشوع حجارتها على وقع موسقات الأطيار العابدة لله، تقيم صلواتها المباركة للخالق، تُشارك السّكّان و الأهالي في معظمة العبادات، و تقديم النّزورات بين أنبياء شاء الله لهم أن يُقيموا في نواحي القمم التي تشقّ عباب المدى في هذا الجبل الرّيحانيّ العتيد...
هناك، النّاس كلّ النّاس الذين أخذوا سرّ لون بشرتهم من الشّمس، و هم يزرعون الحقول و يفرشونها تعبَا على مدى أعمارهم، و يسقونها من طيب عرق جبينهم، ليكوّنوا قرى و بلدات جبل الرّيحان بصلابة الزّنود السّمر عند خيرة الرّجال، الذين توالدوا من عبق رياحين ليبرز نبوغهم في لبنان...
هناك، مسلمون و نصارى، عابدون لله في كنف العيشيّة و الرّيحان و سجد و عرمتى و مليخ و اللويزة و الجرمق... تارة يتوجّهون إلى القبلة مُيمّمين وجوههم ناحية البيت العتيق بمكّة، أو ناحية القدس، و طورًا يتوجّهون إلى مقام النّبي سجد السّاجد لله، يسألونه السّكينة و الإطمئنان، بذكر الله، و أخرى يتوجّهون ناحية النّبي أبو ركاب صاحب الكرامات العديدة يسألونه البركة...
هناك، إلى الشّمال لبلدة الرّيحان، على مقربة من الطريق المؤدّي إلى عرمتى، شاء الله أن يمنح جبل الرّيحان و بلدة الرّيحان من بركة عظمة صنعه، فتمّ إكتشاف مغارة طبيعيّة كبرى، تمتدّ لمسافات تحت الأرض، غنيّة بالأشكال الفنّيّة الجميلة، و ثريّة بالمشهديّات الرّائعة التّكوينات، ترفل في نفق دهاليزها لوحات و لوحات من الخلق و الإبداع، تتماهى في عنفوانها أمام الضّيوف و الزّوّار، تحكي للجميع عظمة الله التي تتجلّى في عظمة مخلوقاته و وحدانيّة الله التي تتراءى في وحدانيّة خلقه...

تلك مغارة الرّيحان في كنف حنين جبل الرّيحان، التي أبدعتها يد الخالق العظيم، تنادي على الإنسان في كلّ مكان و زمان، زيارتها للمعرفة و الثّقافة و الهدأة و متعة البصر و الفكر و الإيحاء للإبداع و الخلق عند الفنّان... و تتوجّه إلى الوطن و حماة الوطن و حكّام الوطن و شهامة الوطن و عدالة الوطن، و رجال الوطن المكلّفون مسؤوليّات الوطن و المجتمع و البشر و الحجر، الإلتفات إليها حنينًا و إحتضانًا و رعاية و دعمًا و تطويرًا و تنمية و تصنيفًا أثريّا و سياحيّا، و إلقاء الأضواء على كنوزها الطّبيعيّة من أجل الوجود و الحياة و لبنان و الإنسان... ليبقى و سيبقى لبنان، شامخ الوجود مدى الأزمان في هذا المكان...  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق